30 11
الجمال يولد من اتحاد أشياء غير متوقعة، شرط أن تجمعها يد فنان

تميزت هذه الحركة عن غيرها من المدارس الفنية والأدبية التي سبقتها بمحاولة التخلص من قيود المنطق المعتادة، والعلاقات السببية في التفكير والتعبير، وكان من مهمتها الكبرى التخلص من كل ما يعوق الحرية ويكبح جموح التلقائية في التعبير والإبداع الفنيين.
ومعناها عند الدادائيين أنّ تَرسم ليس المهم أن تستخدم الريشة والخطوط والأصباغ، بل يجب أن تخربش كما يروق لك، أو أنّ تلصق صحيفة أو أعقاب سجائر أو أحذية قديمة مع خوذات عسكرية مهمشة أو علب مواد غذائية فارغة هذه لوحة.
ما هي البواعث التي أدت إلى ظهور هذه الحركة النشطة والتي استقطبت حولها مظاهر الإعجاب والتشكيك ومواقف القبول والرفض؟
تتفق جميع المصادر التشكيلية عند رصدها لهذه الحركة أنها قامت أساساً كموقف احتجاج على اندلاع الحرب العالمية الأولى، تلك الحرب التي أهُدرت فيها الطاقات البشرية وقُتل خلالها الرجال وقاسوا مصائبها وتشظي الرصاص في أجسادهم ثم ماتوا، وهيل عليهم التراب أو غرزت على بقايا عظامهم النُصب حيث يَعثرُ رفاقهم على جثث يدفنوها. إذ اتضح أنها لم تعد حرب نصر حاسم سريع ولا قتال بضعة أسابيع أو شهور، لقد ظهر أن كل قائد يواجه حرباً طويلة الأمد لا نصر فيها، فالخنادق لا تتزحزح وكل هجوم مباشر عليها مكتوب

تعدد معنى كلمة دادائية؟
في لغة الشاعر تريستان تزارا الرومانية تعني: أجل أجل، وفي الفرنسية إشارة إلى لعبة من لعب الأطفال على شكل حصان خشبي هزاز، وتستعمل الكلمة الألمانية للدلالة على السذاجة والغفلة، والايطاليون يطلقونها على زهرة النرد وأحياناً الأم، وفي بعض مناطق إفريقيا السوداء يسمون ذنب البقرة المقدسة «دادا» وفي الكثير من اللهجات العامية العربية تسمي المربية ومرضعة ولد غيرها دادة
متى تأسس أول ملتقى للدادائية؟
تأسس الملتقى الأول للدادائية تحت اسم «كاباريه فولتير» ليسلي رواده ويُقدّم لهم أوجُهاً من النشاطات الفنية والأدبية للسخرية من الحرب والنعرات القوية، وفي عام 1916 وتحديداً في الخامس من شهر فبراير صدر العدد الأول من مجلة «دادا» وكان رئيس تحريرها «تريستان تزارا» الذي شَكَل حركة الدائبين، وقد دعا إلى الكتابة في هذه المجلة عدداً من الكتاب والشعراء الكبار أمثال أراغون، وايلوار، وبرايتون، وسوير، وساهم في عروضها التشكيلية كل من بيكاسو، ومودلياني، وكاندنيسكي ولم تتوقف مجلة «دادا» عن الصدور وكانت كعادتها تطبع بطريقة مشوهة.
الفنان الدادئي كان دائماً يقول: «إنَّ الجمال يمكن أنَّ يولد من اتحاد أشياء غير متوقعة أكثر من غيرها، بشرط أن تكون اليد التي تجمعها يد فنان».

ومن بين أنقاض وركام الصرح الدادائي المنهار انبثقت حركة أخرى تولى زعامتها الشاعر الدادائي السابق «اندريه برايتون»، ليصبح وحده أكبر داعية للتجافي عن العقلانيات والمنطق والتنظيم، مستجيباً لكل ما هو من الحلم واللاوعي والأشباح والطلاسم والرموز، وأطلق على حركته الجديدة اسم السريالية أو ما يعرف في لغتنا العربية «بالسمو والواقعية» ليجعل منها وقفاً على المثقفين، ولكن أي مثقفين؟! إنهم المثقفًون الذين تلاعبوا في مجريات حركة المد والجزر، وتصرفوا في عدد نبضات القلب وألوان قوس قزح وما يستقر في مكنون العقل الباطن وسراديب الأحلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق